الدكتور عادل عامر يكتب الانحراف الديني واثره على المجتمع
فإن مما ابتليت به الأمة الإسلامية اليوم قضية العنف والغلو والتطرف التي عصفت زوابعها بأذهان البسطاء من الأمة وجهالها، وافتتن بها أهل الأهواء الذين زاغت قلوبهم عن إتباع الحق، فكانت النتيجة الحتمية أن وقع الاختلاف بين أهل الأهواء، وافترقوا إلى فرق متنازعة متناحرة همها الأوحد إرغام خصومها على اعتناق آرائها بأي وسيلة كانت .
كما أنّ الكشف عن جذور الانحراف والتطرف، والعنف والإرهاب ومعرفة أسبابه هو موضوع الساعة، وهو في نظري من أشد الموضوعات خطورةً وأثرًا، وأجدرها بالدرس المتأني ذي النفس الطويل؛ ذلك لأن المسلمين اليوم وهم يواجهون مشكلات الحضارة، وتحديات العصر. إن من أسباب نشوء الأفكار الضالة ظهور التناقض في حياة الناس، وما يجدونه من مفارقات عجيبة بين ما يسمعون وما يشاهدون، فهنالك تناقض كبير أحيانًا بين ما يقرؤه المرء وما يراه، وما يتعلمه وما يعيشه، وما يُقال وما يُعمل، وما يدرَّس له وما يراه، مما يحدث اختلالًا في التصورات، وارتباكًا في الأفكار .
يعد العامل الفكري من أهم الأسباب التي يؤدي إلى الانحراف والتطرف في الأمة إن دين الإسلام هو دين العدالة والكرامة والسماحة والحكمة والوسطية، وهو دين رعاية المصالح ودرء للمفاسد .
إن أفعال الناس المنتسبين إلى الدين ، تنسب عادة إلى الدين ذاته، فإذا غلا امرؤ في دينه فشدد على نفسه وعلى الناس، وجار في الحكم على الخلق، نسب الناس ذلك إلى دينه فصار فعله ذريعة للقدح في الدين .
إن الغلو في الدين في العصر الحديث شوه الدين الإسلامي الحنيف، ونفر الناس منه، وفتح الأبواب للطعن فيه، فتجرأ أناس على أفعال وأقوال لم يكونوا ليجرؤوا عليها لولا وجود الغلو والغلاة، فسمع الطاعنون في الشريعة على دور العامل الفكري في تكوين السلوك الإرهابي لجميع المنظمات المتطرفة والإرهابية؛ أن الإرهابي شخص يرفض الواقع، ويسعى لمحاربة المبادئ، والمعتقدات السائدة، ويرى أفراد العينة أن أصحاب الفكر السوي
لا يمكن أن يلجئوا إلى معالجة قضاياهم عن طريق القتل والتدمير أو إلحاق الضرر بالآخرين، أن الفكر السوي هو الذي يعالج قضاياه وفق الطرق الشرعية، أن الحماية الفكرية مطلب ضروري في وقاية المجتمعات الإسلامية من التأثر بالتوجهات الفكرية الخطيرة لا شك بأن إهمال الرعية أو التقصير في أمورهم وما يصلحهم من أبرز الأسباب التي تؤدي إلى الانحراف والتطرف؛ وذلك أنه يجب على جميع من يلي أمرًا من أمور المسلمين أن يقوم بما أمره الله به بأداء الأمانة، وحفظ الديانة، والنصح للأمة، والصدق مع الرعية،
وتلمس حاجات الناس، وتحقيق الحياة الكريمة لهم، والاستفادة من طاقاتهم، وشغل أوقاتهم، وتسهيل أمورهم المادية والمعيشية، وأمورهم المعنوية والإنسانية، وإشاعة التعليم، وتشجيع المعرفة، وصيانة العقول، والحفاظ على الأفكار . . وهكذا من القيام بكل ما من شأنه أن يحفظ الأجسام والأفهام، والقلوب والعقول، والأخلاق والأرزاق، ومتى ما أهمل أرباب المسؤولية رعاياهم، أو قصروا مع شعوبهم، أو تشاغلوا عن محكوميهم، فذلك مفتاح الضياع ، وطريق المهالك ، ومتنفس الضلال ” كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته
إن من أهم أسباب الانحراف والتطرف لدى الشعوب في العالم السيطرة الاستعمارية، وانتهاك حقوق الناس، وأخذ أموالهم بالباطل، واحتلال الأراضي، وانتهاك الحرمات، والقتل، والتدمير، والاغتصاب، وإجبار الناس على النزوح، وترك أراضيهم وأوطانهم هذا يولد الإرهاب والعنف والتطرف
يعد سوء الحالة الاقتصادية من أبرز أسباب الانحراف الخلقي والتطرف الفكري، وسألخص ذلك في النقاط التالية:
الأولى: إذا كان الإرهاب السياسي من أكثر صور الإرهاب شيوعًا وأشدها ضراوة وخطرًا وأكثرها دموية، إلا أنه هناك الأسباب الاقتصادية بأخطارها المتراكمة والمتلاحقة لأن الاقتصاد من العوامل الرئيسة في خلق الاستقرار النفسي لدى الإنسان فكلما كان دخل الفرد مثلًا مضطربًا كان رضاه واستقراره غير ثابت بل قد يتحول هذا الاضطراب وعدم الرضا إلى كراهية تقوده إلى نقمة على المجتمع .
وهذا الحال من الإحباط يولد شعورًا سلبيًا تجاه المجتمع ، ومن آثاره عدم انتمائه لوطنه ونبذ الشعور بالمسئولية الوطنية ولهذا يتكون لديه شعورًا بالانتقام وقد يستثمر هذا الشعور بعض المغرضين والمثبطين فيزينون له قدرتهم على تحسين وضعه الاقتصادي دون النظر إلى عواقب ذلك وما يترتب عليها من مفاسد وأضرار الثانية: البطالة: انتشار البطالة في المجتمع داء وبيل ، وأيما مجتمع تكثر فيه البطالة ويزيد فيه العاطلون ، وتنضب فيه فرص العمل ، فإن ذلك يفتح أبوابًا من الخطر على مصارعها ، من امتهان الإرهاب والجريمة والمخدرات والاعتداء والسرقة ، وما إلى ذلك .
فعدم أخذ الحقوق كاملة وعدم توفير فرصة العمل هذا يولد سخطًا عامًا يشمل كل من بيده الأمر قَرُب أو بُعد ، فإن الناس يحركهم الجوع والفقر والعوز ويسكتهم المال لذلك قال عمر بن عبد العزيز لما أمره ولده أن يأخذ الناس على الحق ولا يبالي قال (عِنيَّ أني أتألفهم فأعطيهم وإن حملتهم على الدين جملة تركوه جملة)
فالبطالة من أقوى العوامل المساهمة في نبتة الإرهاب حيث ضيق العيش وصعوبته وغلاء المعيشة وعدم تحسن دخل الفرد أحد العوامل التي تؤثر في إنشاء روح التذمر في الأمة فلأن تتسلط أمة على أمة فتغزوها وتأكل خيراتها فذلك يولد حالة من السخط تجاه من فعل ومن سمح بهذا .
وسائل الإعلام : تلعب وسائل الإعلام دوراً لا يستهان به في تغذية أو دعم أو ظهور العنف والإرهاب والتطرف فهي بما تقدمه من برامج وأفلام وأخبار وأساليب للإخبار عن الأحداث أو تركيبها وعن الأشخاص وسيط مشارك لدى عديد من الدول، ومن وسائل الإعلام التلفاز أو القنوات الفضائية التي في أغلبها تنتهج منهج التطرف فإما الاستهتار بالعقول والشعائر الدينية والأخلاقية، أو زرع الفتن وإثارتها من خلال بعض البرامج أو الأفكار والتهويل والتضخيم ، ولو كان التناول في القضايا والموضوعات وحتى التحليلات تناولا إيمانيا يقوم على التعامل مع الحقائق والاستناد إليها في التفسير والتحليل ، والتعليق وغيره ، والمعايشة الحية للأحداث والتحري والتثبت من الأخبار وروايتها . . .
ومراعاة الحالة النفسية المهيأة لدى المستقبل ، وظروف الزمان والمكان، لكان التأثير إيجابيا بل ولحدت من الآثار السلبية من حيث كونها سلاحا ذا حدين وتعد شبكة المعلومات الدولية ( الإنترنت ) اليوم من الوسائط القوية الأثر في خدمة عمليات العنف والإرهاب الدولية ، فهذه الشبكات تنشر الأفكار والمعلومات والتصريحات والأحكام بين الأطراف المشتركين فيها على امتداد العالم كله وهي مفتوحة على مصراعيها للانضمام المطرد إليها يوما بعد يوم ، وهي تضم علاوة على ذلك كل شيء بدءا من الكتب التراثية وانتهاء بالأفلام المحظورة . فمثلا يمكن للمستخدم استعراض محتويات مكتبة الكونجرس الأمريكية الضخمة من خلال الإنترنت ، وهو جالس في بيته أو محله
كما يمكنه التعرف على أحوال المجالات الاقتصادية والاجتماعية والفكرية ويزيد عدد مستخدمي شبكة الإنترنت، أو المشتركين فيها على تسعين مليون مستخدم أو مشترك في شتى أنحاء العالم، حيث ينضم إليها ما يقارب سبعة ملايين مشترك سنويا .
كذلك ما تبثه الصحف اليومية من أخبار وصور، بل مقالات تحت الحرية المغلوطة أو الدعم الإرهابي المبطن بالمقابل، كل ذلك يساعد على ظهور السلوكيات التي تخرج عن زمام المعقول والمنطق أو ردة الفعل الإرهابية أو المبالغ فيها
أن الأمة الإسلامية تميزت بخاصية منفردة لم تكن لأمة من الأمم السابقة وهي ميزة الوسطية التي جعلها الله – سبحانه وتعالى – خصيصة لأمة محمد- صلى الله عليه وسلم- في القرآن الكريم في قوله تعالى : (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا). البقرة 143). أن أهم أسباب الانحراف والتطرف ستة- الاجتماعية، الفكرية، السياسية، الاقتصادية، التربوية، الإعلامية .